30 أكتوبر 2008

الركن الثاني -من أركان الإنطلاق في الحياة

ثانيًا: الوقت

مرت سنين بالوصول وبالهنا فكأنما من قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أيام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام
فالمؤمن ابن وقته، والعاقل ابن لحظته، فالوقت حياة الجادّين، وموت المستهترين، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها".

فانتهاز فرصة الوقت، حتى ولو كانت قليلة، حتى وإن قامت الساعة، هو طبع العاقلين، وسجية العاملين.. يروي عمارة بن خزيمة بن ثابت أنه سمع عمر بن الخطاب يقول لأبيه: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال له أبوه: أنا شيخ كبير أموت غدًا، فقال له عمر: "أعزم عليك لتغرسها".. يقول عمارة: فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي، وعند ابن عبد البر: قيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله.

أعرف أستاذاً فاضلاً، حاصلاً على مؤهل متوسط، أعاد دراسة الثانوية، ودخل الجامعة، وكان يمتحن مع أبنائه في المراحل الدراسية المختلفة، ثم حصل على الماجستير، والآن يحضر الدكتوراه، وقد تجاوز سنّه السبعين عامًا.

بل إن بعض الحكماء سمَّى إهدار الأوقات "عقوقًا لليوم الذي يمر على الإنسان، وظلمًا لنفسه"؛ لأن ما مضى دون استفادة لا يعود إلا بالندم والحسرة، يقول حكيم: "من أمضى يومًا من عمره في غير: حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسَّسه، أو علم اقتبسه، فقد عقَّ يومه وظلم نفسه".

فوقتك نادر؛ لأنه لا يمكن زيادته بحال من الأحوال، ولأنه محدد كذلك.

ووقتك لا وجود له في أي خزانة؛ لأن اللحظة التي لا تستغلها تفنى.

ووقتك لا يعوَّض ولا يمكن تبديله ويحاسب عليه الإنسان مرتين؛ عن شبابه وعن عمره.

ووفق دراسة ميدانية وُجِدَ أن: 20% فقط من الوقت يُستغل في المهم:
1- ساعتان في قراءة الصحف.
2- 40 دقيقة في المتوسط مواصلات.
3- 90 دقيقة لترتيب مكان يتسم بالفوضى.
4- 45 دقيقة للبحث عن أغراض وأوراق ومتعلقات.
5- 10 دقائق للرد على التليفون.
6- 10 دقائق لمحادثات جانبية.
7- 15 ساعة أسبوعيًّا لمشاهدة التليفزيون.
8- الوصول للعمل متأخرًا 15 دقيقة يربك 90 دقيقة.
9- 40 دقيقة في تحديد أي المهام يبدأ بها.

فأين الوقت الذي سيقضيه مع نفسه؟
وأين الوقت الذي سيقضيه مع أسرته؟
وأين الوقت الذي يزداد فيه علمًا؟
وأين الوقت الذي يحسن فيه مهنته؟
فإذا أردت إنجاز أهدافك وأحلامك؛ فنظِّم الوقت..
وإذا أردت التخفيف من الضغوط الحياتية؛ فنظِّم الوقت..
وإذا أردت تحسين نوعية العمل والحياة؛ فنظم الوقت
وإذا أردت قضاء أكبر وقت مع الأسرة أو النفس أو الترفيه؛ فنظِّم الوقت.
وإذا أردت تقليل الأخطاء وتحقيق نتائج أفضل؛ فنظِّم الوقت.
وإذا أردت زيادة الدخل والراحة في العمل؛ فنظِّم الوقت.
وإذا أردت تنظيم الوقت فلا تقل:
- ليس عندي وقت للتنظيم أو أنا دائمًا مشغول.
- عملي صغير ولا يحتاج لتنظيم وقت.
- الظروف تمنعني من تنظيم الوقت.
- الكتابة في اليوم مضيعة للوقت.
- عملي لا يحتاج إلى الكتابة أو التذكير.
- حياتي كلها فوضى فما فائدة تنظيم الوقت.

وإذا أردت النجاح والطيران فافعل الآتي، وهو خلاصة ما قدمه المتخصصون:
- إدراك قيمة الوقت أهم من تنظيمه: فالشخص الذي لا يعير أهميةً لوقته لا يحتاج إلى أن ينظِّم وقته أصلاً، ولا يدرك الإنسان قيمة وقته إلا بفهم الإسلام؛ لأنه هو الذي جعل الدنيا عمارةً للآخرة، وجعل للأنسان مهمةً تتمثل في العبادة وإعمار الأرض.

- إدراك أن مهمتك في الحياة تصنع مستقبلك: فالأمر ليس عاديًّا مثلما يعيش أي إنسان في هذا الوجود، وإنما من وراء ذلك عيش حقيقي في هذه الحياة، يريد الخير للناس، يربي أولاده، يرتقي بنفسه، يبتكر ويحسن ويطوّر في مهنته، ويتأسَّى برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحقِّق طموحاته، ولذلك فعلى كل إنسان أن يسأل نفسه: ماذا أفعل في الحياة؟

- إدراك أن إنجاز العمل أهم بكثير من التخطيط له: فالتخطيط يجب ألا يأخذ الكثير من الوقت؛ لأنه وسيلة وليس غاية، وأعرف أشخاصًا يخططون لفترات تتجاوز البرنامج التنفيذي، ويحسبون أنهم يعملون أو ينجزون، هم ما أنجزوا عملاً بل أنجزوا تخطيطًا، فمتى يعملون؟
- إدراك أن إنجازك لهدف ليس المحطة الأخيرة: قد يحسب البعض إذا حقق هدفًا أن ذلك بمثابة محطة الوصول، فيهدأ ويسكن، والبعض قد يتوقف، ويتساءل: لماذا كنت نشيطًا ثم انقلبت إلى كسل؟ لأن الواجب عليه أن يبحث عن هدف جديد، ولا يقف عند ما قام بتحقيقه سابقًا، بل دائمًا ينظر إلى ما يجب أن يحققه لاحقًا.

- إدراك أن التركيز في مهمته أنجح من العمل في مهام: الطائرة تحتاج إلى طاقة هائلة للإقلاع؛ فإن أصبحت تحلق في السماء، فإنها لا تحتاج إلى طاقة كبيرة، كذلك أنت إذا أردت الانطلاق والإقلاع من الأرض، فركِّز في مهمة واحدة؛ لأن عقلك وفكرك وفعاليتك وعاطفتك، هي الطاقة الهائلة نحو الانطلاق، والاستفادة من الوقت؛ فالقادم غيب لا يعلم الإنسان ما فيه من إنجاز أو فعالية أو نشاط أو كسل.

- إدراك أن الكتابة والتدوين أسهل من الذاكرة: فالكتابة والتدوين تضمن لك جمع المعلومات عن كل شيء، وتضمن لك الحد الأدنى من التنظيم لوقتك، بدءًا بالأمور السهلة الفورية، ثم اليومية، ثم التي تؤجَّل لحين مناسبتها، كما أنها تضمن لك التخلص الدائم من كل شيء لا تحتاجه، أو يسبِّب إهدارًا لوقتك، من أوراق وهدايا وملابس وأشياء قديمة لا فائدة منها
.

جمال ماضي

هناك تعليقان (2):

بستان الحب يقول...

إبنى فارس بلا جواد لاجواد بلافارس كلمات مفيدة جداولكن أتمنى أن أقرأ كلمات من قلمك لأن أسلوبك راقى عرفت ذلك من تعليقاتك على مدونات أولادى رزقك الله الفردوس الأعلى

جواد بلا فارس يقول...

شرف لي مرورك أمنا الفاضلة بستان الحب... بستان التربية